Cpm Affiliation : the cpm advertising network

الجمعة، 12 أغسطس 2016

حقيقة مصطلح التطور البشري

دائما مانسمع عن مصطلح   تطور البشر, وقد انتشر هذا المصطلح نهاية القرن التاسع عشر واستمر ولو بشكل خجول إلى أيامنا هذه, إذ بدأ الكثير من العلماء يتجنبون التعاطي معه, فلماذا؟
إن غياب المعرفة والتصور الناضج لمفهوم التطور وندرة الأبحاث المتوفرة نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين كان لها دور كبير في انتاج فكرة المصطلح, وقد أصيب حين أقول أن مارسخ هذا التصور هو تمكن العالم الكبير Hugo de Vries من اكتشاف الطفرات الجينية حوالي عام 1893.
فالتصور الذي تفرضه آلية عمل الطفرة الجينية التي ينتج عنها صفات جديدة تطرأ على الكائن أوحت للعلماء المهتمين بتطور البشر آنذاك بأن هؤولاء البشر قد تدرجوا في مسيرة ترقيهم عبر مراحل بحيث ينبثق نوع جديد فجأة من سلف يكون مغايرا له في كثير من الصفات وأن هذا الإنبثاق يكون مصاحبا لنضوج عقلي ووظيفي أكبر. وهو أمر بعيد عن الواقع.
صحيح أن هناك ترقي عقلي ووظيفي طرأ على البشر تماما كما هو الحال مع غير البشر, وإنما لم يكن ذلك بانبثاق أنواع مغايرة تماما لأسلافها, فالطفرة لاتنتج نوعا جديدا بل صفات.
إضافة إلى أن وراثة مندل المعتمدة حاليا لم تكون منتشرة القبول حينها لتساهم في تقنين الإطروحات العلمية.
لكي أوضح أكثر, فالمفهوم السائد قديما كما قلنا يقتضي أن يولد نوع مختلف تماما عن والديه بشكل يبرر البحث عنه كحلقة مفقودة ضمن تسلسل هو في غالبه وحي من خيال أولئك العلماء الذين افترضوا الفكرة.
وقد تم بناء هذا التصور البدائي إثر العثور على بقايا بشرية شكلت هواجس خبرية منذ منتصف القرن التاسع عشر كان لها وقع الصاعقة في الأوساط العلمية ,وكان أولها اكتشاف بقايا لهيكل عظمي عائد لنوع الـ Neanderthal عام 1856 في وادي نيانديرتال الألماني, وبعدها بحوالي الإثنا عشر سنة أي 1868 تم اكتشاف عظاما تعود للـ Cro-Magnon في فرنسا ثم عظام ألـ Heidelbergensis في ألمانيا عام 1907.
هذه المكتشفات المتفرقة والتي تحي بعلاقة ما بتطور البشر وترقيهم أوجدت جدلا كبيرا في الأوساط العلمية الأوروبية المهتمة, وقد كان من الصعب إرساء معايير حاكمة لربط هذه العينات ضمن نسق علمي مقبول ومتفق عليه حيث انبرى العلماء لطرح تصوراتهم التي كان أشهرها أن هؤلاء البشر المكتشفة بقاياهم يمثلون جزءا من التدرج في الترقي البشري. وقد ساد حينها بأن الـ Neanderthal هو سلف للإنسان الحديث Homo Sapiens وهو أمر توصل العلماء بعدها لعدم صحته حيث تحدر الإثنان من سلف واحد هو الـ Homo Heidelbergensis.
العجيب هو علاقة هذه المكتشفات بفضيحة الـ Piltdown Man التي تناولناها بتفصيل في مقال سابق والتي تمت في بريطانيا وقد كان سببها -على الأقل في تصوري- عائد للغيرة التي تمكنت من بعض العلماء الإنجليز الذين لم يرق لهم أن يحظى مناوئيهم الألمان والفرنسيون بالعثور على مكتشفات هامة دون أن يكون لهم في بريطانيا شأنا محوريا فيها خصوصا ونحن نتحدث عن عام 1912 عندما كانت بريطانيا هي الدولة العظمى.
وحقيقة فالذي ألح علي لذكر هذه المعلومة المعترضة عن الفضيحة هو استغلال البعض كزغلول النجار وغيره لها بالقول أن نظرية التطور بجلها قائمة على حادثة الإحتيال هذه, وهو واقعا أمر معيب.
نعود لصلب حديثنا لنقول بأن الداروينية الحديثة التي هي عبارة عن باقة متعددة من العلوم تشتمل على مفاعيل السلسلة الغذائية وعلم الجينات ووراثة مندل وطفرات دافريز والتزاوج البيني وكل مايتوفر لدينا الآن من معارف تقتضي أن يتطور الكائن الحي ضمن نسق تطوري آخر. وأن هذا النسق ينطبق على البشر كما ينطبق على غيرهم.
وقد نلاحظ اختلافات ظاهرية ووظيفية بين البشر اليوم نستطيع من خلالها التوصل لإطار معين يسعفنا في التوصل لملامح أساسية لآلية التطور.
فعلى سبيل المثال, نلاحظ أن سكان المناطق شديدة البرودة في ألاسكا والتندرا وشمال سيبيريا حيث الزمهرير القارس يتميزون بأجسام ممتلئة ومكتنزة وهي ميزة مكنتهم من التقليل من مساحة الجسم المعرضة للبرد فيتم لهم بها المحافظة بقدر أكبر على حرارة أجسادهم, بينما نرى تميز أفراد قبائل السفانا الإفريقية والماساي منها بشكل خاص بأجسام فارعة الطول ونحيفة تمكنهم من العدو السريع مايساعدهم في مهام الصيد وراء الطرائد في السفانا المفتوحة.
نلاحظ أيضا أن سكان المناطق الجبلية يتميزون بقصر القامة كما هو واضح في المناطق الجبلية من اليمن. وهذه خاصية نلاحظها أيضا في المقارنة بين الوعول الجبلية ذات القوائم الواضحة القصر وقريباتها التي تعيش في المراعي الممتدة.
وطبعا هناك استعدادات بايولوجية أخرى يتميز بها البشر كتكيف قاطني المناطق الباردة مع درجات منخفضة من الحرارة وتمكن سكان هضبة التبت من العيش بمستويات منخفضة من الأوكسجين.
على أن هذه الإختلافات الطفيفة طرأت على البشر إثر تكيفهم مع بيئاتهم عبر آلاف قليلة من السنين فمابالكم بالمتغيرات التي قد تطرأ حينما يتم الحديث عن عشرات ومئات من آلاف السنين.
وقد أضيف معلومة أخرى تضاف إلى الأسباب التي أدت لبث التصور القائل بالحلقة المفقودة وهو أن الفكرة انتشرت في وقت لم تتبلور بعد نظرية Out of Africa القائلة بأن البشر قد تولدوا في السفانا الإفريقية غرب الصدع وأن تواجدهم في أوروبا كان نتيجة لانتشارهم من افرقيا بحسب الموجة الأولى قبل حوالي مليون وسبعمائة ألف سنة والموجة الثانية قبل حوالي الثمانين ألف سنة, هذا رغم رأيي البسيط في أن موجات الهجرة لابد وأنها كانت بشكل مستمر وليست مقتصرة على هاتين الموجتين.
محصلة القول هي أن تطور البشر لم يكن أبدا بالشكل النمطي الذي لايزال منتشرا في نقاشات أغلب المهتمين بالـ paleoanthropology والذي يقول بتدرج البشر في تطورهم عبر أنواع وحيدة تكون مهيمنة في فترات معينة من الزمن لتسلم المهمة لأنواع أخرى تخلفها في الهيمنة والوجود, إنما الأمر أشبه بمشجرة عائلية ذات قرابة تختلف وتتشابه بما تفرضه عليها ظروف البيئة التي تعيش فيها, وعليه فقد تنتشر سلالات معينة في منطقة وبيئة ما وتتزامن معها في نفس الفترة سلالات أخرى تعيش وتتكيف في بيئات أخرى, وتكون أسس الإختلاف بين هذه السلالات محكومة بظروف بيئتها وفترات الإفتراق الجيني الذي يفصلها, فهذا الإفتراق الجيني هو مايحدد المساحة المتاحة للفروق الظاهرية والوظيفية التي ممكن أن تطرأ فتتسبب في تباعد السلالات لتكون أخيرا أنواع مختلفة لها صفاتها الظاهرية والوظيفية المميزة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Eco Communities

Eco  Communities The Green movement is catching on in many pockets of the world. This is  especially  true in the construction ind...