Cpm Affiliation : the cpm advertising network

الأحد، 31 يوليو 2016

الجزائر في ظل الحكم العثماني (1518-1830)م


 من 1518م إلى غاية الاحتلال الفرنسي عام 1830م وقد مر بأربعة عهود هي:
1- عهد البايلربايات: 1518-1587م:
        تميزت هذه المرحلة بالقوة وتوطيد ركائز



الجزائر في ظل الحكم العثماني:

       كان لظهور الأتراك في الجزائر دورا فعالا في إنقاذ هذا البلد من الاحتلال الاسباني، الذي كان أمرا واقعا لا محالة، لذلك قبل السكان بالانضواء تحت لواء الخلافة العثمانية بعد الاستنجاد بالأخوين "عروج وخيرالدين برباروس". وكان لرابطة الدين الدور الرئيسي للقبول، خاصة وأن الصراع بين المسلمين والصلبيين كان على أشده، فقد بذل العثمانيون جهودا كبيرة في حماية الجزائر من التحديات الاستعمارية طيلة ثلاثة قرون من الزمن تحفظ لهم في التاريخ.
– إلحاق الجزائر بالخلافة العثمانية:
       بعد استشهاد عروج كان خيرالدين قد أعلن تبعيته للسلطان العثماني "سليم الأول" ليس لأنه كان من أصل تركي، ولكن بعد بروز الخلافة العثمانية بوصفها أكبر دولة إسلامية تتجه نحو حماية المسلمين، لذلك قرر خيرالدين إلحاق دولته الناشئة بالخلافة العثمانية، فأرسل إلى السلطان العثماني يعرض عليه مباعيته، وحدث ذلك عام 1518م، فكان رد السلطان القبول وكان وقتذاك بالقاهرة، فأرسل إليه "2000 جندي مسلحين بالبنادق وعددا من رجال المدفعية والمتطوعين، وبل وقام بتوجيه رسائل إلى حكام تونس وتلمسان يحذرهم فيها من الاعتداء على إمارة الجزائر، وبعد تعيين خيرالدين حاكما للجزائر صار يلقب بالبايلرباي، وأصبحت الجزائر من إحدى ولايات الدولة العثمانية، وغدت قوة لا يستهان بها على المستوى الدولي.
** مراحل االحكم العثماني:
         استمرالحكم العثماني بالجزائر لحكم، وتوحيد رقعة البلاد والقضاء على التوسع الاسباني وعلى الكثير من التمردات، وقد اتخذ خيرالدين من مدينة الجزائر مركزا لحكومته، وعين "أحمد بن القاضي الغبريني" سلطان جبل كوكو ( تبعد 18كلم من أربعاء نايت ايراتن ببلاد القبائل) حاكما على بلاد القبائل والناحية الشرقية، ومن مميزات هذا العصر:
أ- على المستوى السياسي:
        تم إلحاق الجزائر بالخلافة العثمانية، وأصبحت الجزائر إحدى ولايات الخلافة العثمانية، مما جعلها تكتسب قوة في الداخل والخارج.
      وقد استطاع البايلربايات أن يحققوا الوحدة الإقليمية والسياسية للجزائر، التي امتد نفوذها وسيطرتها إلى كل الجهات شرقا وغربا وجنوبا، والقضاء على كل الإمارات المحلية: إمارة تلمسان، الإمارات الحفصية، قسنطينة وعنابة، وإمارة جبل كوكو، ويعد السلطان "صالح رايس"( 1552-1556) البطل في تحقيق هذه الوحدة، لاجتهاده في مد نفوذ الأتراك إلى واحات الجنوب وقضى على الدولة الزيانية بتلمسان، وقام بفرض طاعة سلطة الجزائر على كل المناطق، لتصل تخوم الجزائر إلى ما هي عليه الآن.
        أما على مستوى العلاقات السياسية، فبفضل امتلاك الجزائر لأسطول قوي، فقد استطاعت أن تفرض إرادتها على الدول الأوروبية وإرغامها على دفع إتاوات مقابل ضمان الأمن والسلام لمراكبها في حوض البحر الأبيض المتوسط، وما يعاب على هذه العلاقات هو بدء تسرب النفوذ الفرنسي إلى الجزائر، نتيجة للعلاقات الطيبة التي كانت تربط بين البلدين، وبسبب عداء الجزائريين والأتراك للأسبان، إضافة إلى تنافس فرنسا التقليدي حول وراثة مشاكل القارة الإفريقية. " وتعود العلاقات الطيبة بين فرنسا والدولة العثمانية إلى أيام السلطان سليمان القانوني وفرانسوا الأول، حيث حصلت فرنسا على امتيازات واسعة في أملاك الخلافة العثمانية عام 1535، وهو كما سنرى سيمهد إلى تلك النهاية المأسوية للدولة الجزائرية بالاحتلال الفرنسي لها…".
جـ-على المستوى الإداري:
        عرف الجهاز الإداري للجزائر في العهد العثماني تطورا ملحوظا، وذلك منذ استقرار الحكم التركي بالجزائر، وامتد نفوذ السلطة التركية إلى معظم المناطق الشرقية والغربية والجنوبية للبلاد، وقد اهتم البايلرباي حسن باشا بن خير الدين في ولايته الثانية بتنظيم إدارتها، حيث قسمها إلى أربعة بايلكات (عمالات):
- بايلكالجزائر ومركزها مدينة الجزائر.
- بايلك الشرق ومركزها مدينة قسنطينة.
- بايلكالتيطري ومركزها مدينة المدية.
- بايلك الغرب ومركزها مدينة مازونة ثم معسكر ثم وهران.
       وكان ولاة هذا العهد كلهم أقوياء اثبتوا جدارتهم سواء في الداخل أو الخارج، وبفضل مركزهم ومكانتهم مدوا سيطرتهم على تونس وطرابلس، وتحكموا في تسييرها والوصاية عليها، فبحكم لقبهم البايلرباي يعينون باشوات تونس وطرابلس، وذلك نيابة على الدولة العثمانية وكذا من يخلفهم بالجزائر.
د - على المستوى الاقتصادي والعمراني:
         أما على المستوى الاقتصادي والعمراني، فقد اهتم البايلربايات بتشييد المساجد وسخروا الأوقاف الطائلة على مشاريع البر والإحسان، وقاموا بتأجير المياه في سبيل المنفعة العامة، وشهدت مدينة الجزائر العاصمة خاصة حركة عمرانية كبيرة: بناء الحصون، المدارس، القصور، حمامات، مستشفيات، وقلاع ضخمة لا تزال آثارها شاهدة إلى الوقت الحالي. وقد لعب مهاجري الأندلس دورا كبيرا في الازدهار العمراني بفضل ما يتمتعون به من خبرة فائقة في مجال الزخرفة والعمارة.
        ومن الناحية الاقتصادية امتازت البلاد بغناها الاقتصادي الكبير مصدره الثروات الزراعية والحيوانية، وما يأتيها من أموال الزكاة على الماشية والحبوب والزيتون وأنواع المدخولات الأخرى من رسوم وضريبة الصادرات وأموال الجزية التي كانت مفروضة على الدول الأوروبية، وعلى المستوى الصناعي فقد عرفت الصناعة تطورا كبيرا مثل: صناعة النسيج، البرانس، الزرابي، والحياك، كما كانت تصدر كميات وفيرة من الحبوب والبضائع: الصوف، الجلود، الشمع والنسيج إلى الخارج.
  
2- عهد الباشوات (1587-1659):
أ– أسباب استبدال نظام البايلربايات بنظام الباشوات:
- الصراع القائم بين طبقة الرياس وجنود الانكشارية, منذ نشأة الدولة الجزائرية فقد قامت وتأسست على أكتاف رجال طائفة الرياس مثل خيرالدين ومن خلفه، وبالتالي كان هذا الصراع من الأسباب الرئيسية التي دفعت غلى تغيير النظام السابق.
- طوال فترة حكم البايلربايات ظلت الانكشارية تثير تخوفات وشكوك الباب العالي في نية البايلربايات، الأمر الذي جعل من رجال الدولة العثمانية يرون أن السلطة في الولايات الثلاث: الجزائر, تونس, طرابلس تحت حكم رجل واحد قد يشكل خطرا على الإمبراطورية العثمانية, وبالتالي لابد من تقسيم الحكم وفصل الولايات عن بعضها البعض، وإسناد كل إدارة إلى باشا يحكم لمدة ثلاث سنوات, وذلك لإحكام السيطرة على البلاد ومنع حدوث أي تمرد ضدها.
- نظرا للنفوذ الذي كان يتمتع به البايلربايات، ولفضلهم في فتح كل من تونس وطرابلس وإلحاقها بالدولة العثمانية إضافة إلى الفترة غير المحدودة للحكم، بدأت الدولة العثمانية تشم رائحة التمرد ومحاولة الانفصال والاستقلال بهذه البلاد، لاسيما أن الشقة كانت بعيدة بين الجزائر والقسطنطينية، لذلك فكرت في تغيير النظام السابق بنظام الباشاوات عله يحقق لها السيطرة الكاملة على البلاد.
– سياسة الباشاوات: إن تعيين الباشا لمدة ثلاث سنوات على رأس الحكم قد جعل منه يشعر أنه ليس بحاجة لولاء الشعب مادامت مدة ولايته محدودة، فأصبح همه الوحيد هو جمع أكبر قدر ممكن من الأموال طوال فترة حكمه, ويحصل الباشوات على هذا المنصب بشرائه من الباب العالي عن طريق دفع الرشوة أو الهدايا نظرا للأموال الطائلة التي يدرها هذا المنصب, وما دام الحصول على الثروة أصبح هدفا أساسيا للباشوات، فقد باتت قضية الحكم لهم مسالة ثانوية, ومن ثم غدت السلطة فاقدة لعنصر التآلف والتآخي والمحبة والدفاع عن راية الإسلام, وبات ولاء الانكشارية للمال والنفوذ والسلطة, أما بالنسبة للفداء والتضحية والتفاني فقد أصبحت مبادئ ميتة منذ أن تخلى السلطان عن مسؤوليته.
       وكان من نتيجة هذه السياسة هو زيادة سخط العلماء والذين كانوا يحذرون من عواقب وأخطار هذه السياسة ويقدمون لهم النصح بضرورة إقامة العدل والاهتمام بشؤون الرعية والحرص على مصالحها, التي أرهقت بالضرائب والتكاليف التي لا تحتمل فظهرت القلائل وتمردت القبائل.
       وبعد تفاقم الاضطرابات والصراع على الحكم تم القضاء على نظامهم عام 1659م أين تم القضاء على سلطة الباشا وأحيلت السلطة التنفيذية للآغا رئيس فرقة عسكرية بشرط أن لا تتجاوز مدة حكمه شهرين(02 شهر)، في حين أعطيت السلطة التشريعية إلى الديوان، وهكذا أصبحت طائفة الديوان تحتل مكانة ثانوية فيالحكم
   إذا كان عهد البايلربايات يمثل عهد رجال البحر والرياس الذين صانوا الشمال الإفريقي من الأسبان، فإن عهد الباشوات يمثل عهد موظفي عهد الخلافة العثمانية، وإذا كانت الوحدة في الشمال الإفريقي  تشكل عنصر قوي تعتز به الدولة العثمانية وتحافظ عليه، فقد أصبحت تشكل مصدر خطر وقلق بالنسبة لها ويثير مخاوفها من انفصال الجزائر. " لأن المبدأ الذي اعتمدته بتجديد مدة الباشا بثلاث سنوات، قد أثار في نفس الباشا مسألة الفصل بينه وبين رعيته الأمر الذي يدفع مباشرة إلى جمع المال وشراء المناصرين له طمعا بالمطالبة به لعهدة أخرى، والباشا المعين مدرك تماما أن قضاء الفترة المحددة لن يتم إلا إذا زاد في تعميق الخلاف بين العناصر الانكشارية وطائفة الرياس".
– على الصعيد الخارجي:  
- في عام 1588م هاجم أحمد باشا شواطئ نابولي صقلية والدولة البابوية وكورسيكا واسبانيا، وعاد بثروة ضخمة إلى الجزائر ثم خلفه "خضر باشا" الذي واصل الجهاد ونال شهرة عظيمة.
- بعد فشل الحملة الاسبانية على مدينة الجزائر عام 1601م . والتي وضع خطتها قرصان فرنسي "روكي" عمل باشوات الجزائر على وضع حد لامتيازات التجار الفرنسيين فقام الباشا خضر بتحطيم المركز الفرنسي بالقالة وأسر رواده.
- بعدها أخذ الفرنسيون يعتدون على السفن الجزائرية وكان رد الجزائر بالمثل، حيث أسر القنصل الفرنسي.
- تعقدت العلاقات الفرنسية مع الجزائر من جهة ومع الخلافة العثمانية من جهة أخرى، فاضطرت فرنسا إلى التفاوض وإبرام معاهدة بتاريخ 19/09/1628م. نصت على مايلي:
    — إطلاق صراح الأسرى من الجانبين.
    — التوقف عن الأسر من الجانبين.
    — مسالمة البواخر الفرنسية في البحر.
    — تعيين قنصل فرنسي بالجزائريتمتع بحصانة.
– إعادة بناء المركز الفرنسي بالقالة.
- لم تحافظ فرنسا على نصوص المعاهدة وقامت بالاعتداء المتكرر وقتلت الكثير من الجزائريين، وكان رد الجزائر بالمثل بتتبع مراكب فرنسا وأسر ما فيها.
- سوء العلاقة السياسية بين الجزائر وتونس بسبب تدخل البايات التونسيين في بشؤون شرق الجزائر، وتمت المصالحة بين البلدين بإبرام معاهدة صلح عام 1628م.
– على الصعيد الداخلي:
       لقد اشتد الصراع بين القوة العسكرية وطائفة الرياس وبات ضباط الإنكشارية يتطلعون إلى السيطرة والحكم بشتى الوسائل، فحاول ولاة البايلربايات التخلص من عناصرها المتمردة وإدماجها في فرقة البحارة وتحت سلطة الرياس واستحداث فرقة المشاة الجزائريين، إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، وأصبحت البلاد مهددة في عصر الباشوات فاضطربت البيئة وانتشر القتل والنهب والسلب.
 لقد حاول البشر "خضر " التخلص من هذه الفرقة (1583م-1592م) التي لم يعد لها ولاء لا للسلطة ولا للدين ولا للشعب، وإنما للمال والنفوذ والسلطان، ولكن المحاولة فشلت وعزل الباشا خضر إلى أن تدخل السلطان العثماني وعالج الوضع بصفة مؤقتة.

3-عهد الأغوات (1659-1671):
      تميزت فترة الأغوات بوضع أسوا من ذي قبل,(اهتزاز نظام الحكم, الاغتيالات, التآمر ضد الحكام, الخسائر بسبب أساطيل أوروبا, الفوضى, عدم الاستقرار, قصر مدة حكم الأغا, معظم الأغوات يموتون ميتة غير طبيعية, تغذية طائفة الرياس وإثارتها للقلائل والاضطرابات ضد الأغوات سعيا لاسترجاع الحكم.
– أبرز الأحداث:
أ-على الصعيد الداخلي: كانت مهمة الأغا كمحاولة للانفصال على الخلافة العثمانية والاستقلال بالجزائر من الناحية الشكلية, وقام هذا النظام انتقاما من طبقة الرياس، علما أن الأهالي لم يكونوا راضين على الطبقة الانكشارية, وقد ازداد هذا النظام سوءا وتفجرت صراعات داخلية, وامتنع الرياس عن تقديم الدعم الاقتصادي للانكشاريين " الطبقة الحاكمة" وكانوا يسعون إلى إثارة الاضطرابات ضد الأغوات محاولة منهم لاستعادة السلطة, وبسبب رفض الأغوات التخلي عن الحكم, فقد مات معظمهم مقتولا.
ب-على الصعيد الخارجي: لقد سعى ديوان الأوجاق إلى تحسين علاقته مع فرنسا ولكنها أعرضت واستمر القراصنة الفرنسيون في اعتداءاتهم على السفن الجزائرية في البحر وعلى شواطئ الجزائر، ودخل في الصراع إلى جانب فرنسا كل من الانجليز والأسبان والهولنديين، وكاد الأمر يتحول إلى تحالف أوروبي ضد الجزائر، إلا أن الجزائر تفطنت وفوتت الفرصة فصالحت الهولنديين عام  1663 لمحاربة الفرنسيين، وصالحت الفرنسيين لتحارب الانجليز والهولنديين، وفي عام 1671 صالحت فرنسا وهكذا.
      ولقد كان لويس الرابع عشر (1643-1715) شديد الحقد على الإسلام وكانت له أطماع لاحتلال الجزائر، فأرسل إليها جواسيس (إلى القل وجيجل) منذ عام 1558. وحشدت قوات كبيرة لاحتلال القل عام 1663. ولكنها فشلت. وتعرضت لهزيمة أيضا عندما اتجهت نحو مدينة الجزائرفي نفس العام, وفي عام 1664 . شن لويس الرابع عشر حملة عسكرية ضد جيجل واحتلها قرابة 03 أشهر وقد فشلت وانسحبت "وتذكر المصادر التركية أن الفرنسيين كانوا يصيحون سندخل الإسلام". ولقد خسر الفرنسيون في هذه المعركة (1400قتيل و100مدفع)، وقد اضطرت فرنسا إلى مفاوضة الجزائر وإمضاء اتفاقية في 07ماي 1666م. والتي نصت على إطلاق الأسرى من الجانبين والمسالمة؛ ليحصل هدوء نسبي بين البلدين، ثم بدأت تتدخل قوات أخرى في الصراع. وما بين 1669-1671. قام الانجليز بمحاولات عديدة على الجزائر والاعتداء على مراكبها ومينائها.
      ولم يلتزم الفرنسيون بالاتفاقية التي عقدها معهم علي أغا عام 1666م. بل شاركت سفنهم إلى جانب السفن الانجليزية والهولندية, وقد أدى سخط طائفة الرياس التي ظنت أنها دفعت ثمن سياسة الأغا إلى قتل هذا الأخير، وعقب مقتله عين خمسة أغوات أو ستة في ظرف 03 أيام, وقد اقتنع عدد كبيرمن الضباط بعدم الجلوس على كرسي الأغوية لأنه يؤدي إلى الموت.
      وما يمكن استنتاجه أن نظام الأغوات الذي دام 12 عاما كان يحمل بين طياته بذور فنائه، لأنه جاء نتيجة لرغبة الطبقة العسكرية الحاكمة في فرض رقابة مستمرة على السلطة التنفيذية وحرصها على تلبية رغبات رؤسائها، فسادت الصراعات والمنافسات بينهم، وقد دفع الأهالي الثمن باهظا، وتحفز الرياس لاستعادة السلطة من الأغا الذي كان همه الوحيد نزواته، فلم يعد هذا النظام قادرا على المواصلة، وتردى وضع البلاد في وقت كانت تسعى فيه الدول الغربية إلى تحطيم هذه القوة العسكرية مستندين إلى ضعف الخلافة العثمانية وانقسامها واحتدام الصراع بين أجزائها، وفشلها في إقامة أمة واحدة، وبعد اغتيال علي أغا عام 1671. ألغي هذا النظام بقرار من ديوان الأوجاق والذي عوض بنظام الدايات، حيث يظل الداي فيالحكم طوال حياته دون أن يكون له الحق في تعيين من يخلفه.    
4-عهد الدايات(1671-1830):
    كان عصر الدايات مليئا بالمؤامرات والثورات. ولم تكن مدة حكمهم تستمر طويلا، باستثناء الداي محمد بن عثمان (1766-1791)، وفي فترة حكم هذا الداي عرفت الجزائرهدوءا نسبيا، وتغلبت على العجز الذي كانت تعاني منه في الميزانية بسبب التقشف وحسن التصرف، والسعي نحو تحقيق الازدهار. كما عرف الغرب الجزائري هو الآخر حركة نشيطة، حيث تم تحرير المرسى الكبير ومدينة وهران من الاحتلال الاسباني الذي لبث فيها ما يربو عن قرنين، ونظرا للحنكة السياسية التي كان يتمتع بها كل من محمد بن عثمان باشا والباشا محمد الكبير وصالح باي قسنطينة، فقد تمكنوا من إدارة البلاد داخليا وخارجيا، إلا أن حكومة الأوجاق بدأت منذ مطلع القرن الثامن تسير نحو الانهيار الكلي، لا سيما في الوقت الذي تتوقف فيه المنافسات الأوروبية بين بعضها البعض.
 أ– الوضع الداخلي:
       لا شك في أن بقاء الداي في منصب الرياسة لمدة طويلة أعطى للداي سلطة واسعة حدت من سلطة الديوان، وقد أبقى الداي على منصب الباشوية الشرفي لمدة، ليصبح في مراحل تالية هو نفسه الباشا، وبذلك استأثروا بكل مظاهر السلطة والنفوذ، واستطاعوا أن يحققوا للجزائر استقلالها الحقيقي عن الدولة العثمانية التي لم يكن لها يد في هذا الانقلاب، ولم تستطع مواجهته ولم يكن للسلطان نفوذ سوى الموافقة على تسمية الدايات الذي يعينهم الديوان. ولكن تعيين الباشا أصبح مشكلة للداي، لأن السلطان كان بواسطته يحاول استعادة ما فقد من نفوذ، وبدأ يشعر الدايات بوجود مضايقة وازدواجية فيالحكم فسعوا للقضاء عليه فأدمج منصب الباشوية مع منصب الداي، وأكثر من ذلك قاوم الدايات حتى وساطة الباب العالي في المشاكل الداخلية والخارجية للجزائر، ولم يعد للسلطان أي نفوذ فيالجزائر، وأصبحت تبعية الجزائر للخلافة العثمانية تبعية اسمية، وبالرغم من ذلك تميزت الأوضاع الداخلية بالقلائل والاضطرابات المستمرة، والتناحر على الحكم والاستبداد، والاغتيالات ونشوب الفتن الأهلية والتمرد والعصيان من طرف الأهالي بسبب السياسة التي انتهجها الدايات بإرهاق الأهالي بالضرائب والإتاوات، وكان التمرد والعصيان يواجه بالقوة وسفك الدماء. وفي مراحل تالية كثرت التمردات والثورات (القبائل- كراغلة تلمسان-القبائل الكبرى- سكان البليدة- الحضنة- واحات الجنوب- الاوراس). وظهرت حوادث بقسنطينة أدت إلى مقتل صالح باي عام 1792. وبعد ذلك ظهرت ثورة بن الاحرش وبعد سلسلة من الملاحقات تمكن الباي من وضع حد لابن الاحرش الذي التحق بمجموع درقاوة بالغرب الجزائري التي أعلنت الثورة على الأتراك بزعامة ابن الشريف عبد القادر الدرقاوي ليخوض معه عدة معارك مهمة، كما ثار التيجانيون بعين ماضي ضد الحكم التركي.
وكان أبرز دوافع هذه الثورات هو ما ناله الفقراء والمساكين وسائر الرعية من تعسف الأتراك وظلمهم واستخدامهم لأسلوبي القتل والطرد، إضافة إلى معاداة شيوخ الزوايا للحكم؛ الأمر الذي دفع ببعضهم إلى الانضمام ثورة ابن الأحرش(مقدم الطريقة الرحمانية، الدرقاوية)، وأصبحت الطريقة الدرقاوية القوة الرئيسية المعادية للأتراك التي قامت بتجنيد الفلاحين ضد سلطة البايلك عام 1780. واقتنع سكان الأرياف بإمكانية الثورة على سلطة الأتراك ورفض دفع الضرائب. كما ظهرت حركات تمرد أخرى بالجهات الشمالية .
وقد انتشرت هذه الحركات التمردية لتشمل أوساط القبائل الجبلية والجهات الشرقية والوسطى من البلاد، وكان من نتائجها حصول اضطرابات في الأوضاع الاقتصادية، حيث أهملت الفلاحة وحدثت مجاعات من جراء كثرة الفتن والأهوال واهتزاز المجتمع . كما أغلقت الأسواق خوفا من قطاع الطرق. إضافة إلى ظاهرة الجفاف وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وانتشار الأوبئة، وانتشار الزلازل التي هلكت الكثير من الأرواح والممتلكات. فكان الوضع مأساويا حقا كما نشأت طبقة من الدخلاء غالبيتها كان من اليهود الذين لعبوا دورا كبيرا في وقوع الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي، بسيطرة بوخريص وبوشناق على التجارة الخارجية لتتأزم العلاقات مع فرنسا . ولتكون الجالية اليهودية أموال ضخمة على حساب الجزائر وتوجه الاحداث لصالحها. وبات نفوذها على البلاد والأتراك واضحا، واصبح الحكام ألعوبة في أيديهم. هذا إضافة إلى الخطر الذي كانت تشكله الدولة الصليبية على الإسلام والجزائر والخلافة العثمانية.
ب- السياسة الخارجية:
- على المستوى المغاربي: كانت السياسة المغاربية متوترة . فكانت الجزائر تعتبر تونس إقليما تابعا لها وكانت تونس ترفض ذلك. وكانت لتونس أطماع في قسنطينة. وكان المغرب ينظر للجزائر كخطر يهدده ويجب تفاديه حتى وان اقتضى الأمر التحالف مع الغرب، وكان للمغرب أطماع قديمة في تلمسان . وقد ظهرت مؤامرات كثيرة بين البلدان المغاربية من أبرزها زحف تونس والمغرب والأقصى وطرابلس متحالفين من تونس إلى قسنطينة عام 1702. وزحف المغرب على تلمسان، وهكذا ظلت الحوادث مستمرة إلى أن بدأت التحالفات الأوروبية تتهيأ لاقتسام ممتلكات ما يسمى بالرجل المريض.
-على المستوى الأوروبي:  كانت الجزائر لا سيما في عهد البايلربايات تتمتع بمكانة مرموقة، يحسب لها ألف حساب من الدول الأوروبية، إذ كانت تقدم لها الهدايا وتدفع لها الضرائب. أما الأسبان فقد استمر في حملاته الصليبية على الجزائر منها: حملة 1770 بالحراش، حملة أوريللي 1775، حملة 1784، وكلها منيت بشر الهزيمة ، وظل الأسبانفي مدينة الأسبان يعيثون فيها فسادا وتخريبا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Eco Communities

Eco  Communities The Green movement is catching on in many pockets of the world. This is  especially  true in the construction ind...